أعلن إلغاء الهجوم لكنه نفذه سرًا ..شاهد كيف رد “ترامب” على إسقاط إيران طائرة مسيرة أمريكية؟
الاربعاء 26 يونيو 2019 الساعة 05:48

غير صحيح تمامًا ما يعتقده غالبية المتابعين في العالم، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألغى أو تراجع عن الضربات العسكرية، التي أقرها ضد إيران ردًا على إسقاطها طائرة دون طيار أمريكية فوق مياه مضيق هرمز صباح الخميس الماضي، فالرئيس الأمريكي لم يلغ الضربات على الرغم من أنه أعلن ذلك بنفسه، وإنما غيّر طريقة تنفيذها فحسب، وبدلاً من أن كان مقررًا أن يجري تنفيذها مساء الخميس من خلال الأسلحة التقليدية، باستخدام الصواريخ الموجهة بالليزر عبر البوارج الحربية الأمريكية الموجودة في مياه الخليج، لتدمير بطاريات صواريخ وأجهزة رادار إيرانية، اختار “ترامب” شن الضربات في التوقيت نفسه لكن باستخدام وسائل الحرب السيبرانية ضد نظم تسليح إيرانية، ذات علاقة مباشرة بالحرب غير المعلنة، التي تشنها طهران لإرباك عمليات تصدير النفط في الخليج، وأسفرت حتى الآن عن استهداف ست سفن شحن بألغام بحرية وتوربيدات.

نطاق الهجوم
وكشفت وسائل إعلام أمريكية نطاق وأهداف الهجوم الإلكتروني الأمريكي، فذكرت صحيفة “واشنطن بوست” السبت الماضي أنه استهدف حواسيب إيرانية تستخدم للتحكم في عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف، فيما أفاد موقع “ياهو نيوز” بأن الهجوم الإلكتروني استهدف أنظمة شبكة تجسس إيرانية مكلفة بمراقبة عبور السفن في مضيق هرمز، وأوضحت “واشنطن بوست” أن الهجوم شنه أفراد من القيادة الإلكترونية الأمريكية واستهدف أنظمة تابعة للحرس الثوري الإيراني. ونقلت الصحيفة عن اثنين من هؤلاء الأفراد اشترطا عدم كشف اسميهما، أن الهجوم كان معدًا منذ أسابيع عقب مهاجمة إيران أربع ناقلات نفط في المياه الاقتصادية للإمارات، وأنه أدى إلى شل نظام القيادة والسيطرة للحرس الثوري، المرتبط بإطلاق الصواريخ والقذائف ومراقبة عبور السفن في مضيق هرمز، وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن الهجوم الإلكتروني على الحرس الثوري يمثل أول عملية للقيادة الإلكترونية الأمريكية منذ ترقيتها إلى قيادة مقاتلة كاملة في مايو الماضي، وهو انعكاس لإستراتيجية جديدة تسمى “الدفاع إلى الأمام” تعمل ضد أعداء الولايات المتحدة على أراضيهم الافتراضية.

اقراء ايضاً :

إنكار زائف
وعلى الرغم من إنكار إيران نجاح الهجوم الإلكتروني الأمريكي، فإن مسلكها في الاعتراف به أعطى دلائل قوية على أهمية النتائج التي حققها، ففي الوقت الذي جري فيه الهجوم مساء الخميس نجد أن إيران ظلت صامتة قرابة أربعة أيام قبل أن تعترف أمس (الاثنين) بالهجوم على لسان وزير الاتصالات محمد جواد آذري جهرمي، الذي ادعى أن “الهجوم الإلكتروني الأمريكي لم ينجح ولم تنجم عن خسائر”، وتأخر إيران في الإعلان عن الهجوم يشير إلى أن قادتها وقعوا تحت تأثير صدمة عنيفة سببتها الخسائر الناجمة عنه، فالمنطقي في حال فشل الهجوم أن تسارع إيران إلى إعلان ذلك؛ باعتباره نصرًا لقدراتها الإلكترونية في حماية نظمها الدفاعية، لكن ذلك لم يحدث، وظلت غارقة في الصمت المطبق أربعة أيام.

وتثير إشارة “جهرمي” إلى أن “إيران أحبطت 33 مليون هجوم إلكتروني العام الماضي”، العديد من التساؤلات حول مفهوم الحرب السيبرانية ووسائلها وتكلفتها ومدى خطورتها، ولاسيما مع اتساع نطاقها استخدام أساليب الحرب السيبرانية منذ اعتراف إيران الهجوم الإلكتروني، الذي تعرض له برنامجها النووي عام 2010، والذي استُخدم فيه فيروس أطلق عليه “ستانكست”، اتهمت طهران الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بتخليقه ومهاجمة منشآتها النووية به؛ ما تسبب في إتلاف ستة عشر ألف جهاز حاسوب، بحسب ما أفادت وكالة فارس الإيرانية للأنباء وقتئذٍ، وتعطيل أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.

الساحات الخفية
وتشير كلمة “سيبراني” إلى المزج بين الإلكترونيات والإنسان، والكائن السيبراني هو كيان يجمع بين الأجزاء العضوية والإلكترونية، ويُعد مانفريد كلاينس وناثان كلاين أول من استخدم مصطلح “سيبراني” في مقال لهما عام 1960، فيما تُعرف الحرب السيبرانية وفقًا لخبير أمن المعلومات عادل صادق، بأنها التطبيقات العسكرية للفضاء الإلكتروني، والهجوم الإلكتروني المنسق، الذي يجري شنه من قِبل دولة أو فاعلين من غير الدول في إطار متبادل أو من طرف واحد، عبر ساحة الفضاء الإلكتروني. والمجال الرئيس للحرب السيبرانية هو شبكات الإنترنت، ومن هذا المجال تستمد خصائصها المتمثلة بحسب الباحث عبد الغفار الدويك في السرعة الفائقة، وهي سرعة تدفق “الفوتونات” عبر الألياف الضوئية، وعالمية طابعها وتأثيرها، وعدم محدودية مجالاتها، وسرية إجراءاتها وعملياتها، فساحات الحرب السيبرانية غير مرئية ووسائلها خفية، وتلحق الضرر بالأنظمة والوسائل الإلكترونية للخصوم، ويمكنها أن تحقق أهدافًا لا يمكن للهجمات التقليدية أن تحققها.

محدودية التكلفة
أما عن الوسائل المستخدمة في الحرب السيبرانية وفقًا للدويك، فهي “تتطلب في الأساس مهارات بشرية نادرة لإنتاجها، ولا تحتاج إلى إطلاقها سوى منصات بسيطة غير مرئية تتمثل في موقع الإطلاق على شبكة الإنترنت، ومحرك للبحث، وشبكة تواصل اجتماعي، وخادم افتراضي أو مادي أو سحابة بيانات، ويمكن تصميم هذه المنصات من قِبل قراصنة، أو متطرفين دينيين أو سياسيين، أو المجرمين الإلكترونيين من عصابات الجريمة المنظمة، ولا تترك الأسلحة الإلكترونية وما تفرزه من أزمات سوى القليل من الوقت للاستباق والوقاية والكشف أو رد الفعل بسبب السرعة الإلكترونية للهجوم”. وتتميز الحرب السيبرانية بقلة تكلفتها، إذ يمكن شن حرب من هذا النوع بتكلفة تعادل صنع دبابة فقط، فضلاً عما تتسم به من مميزات تتيح استخدامها في أي وقت سواء في وقت السلم أم الحرب أم الأزمات، ولا يتطلب تنفيذها سوي وقت زمني محدود، ولعل قلة تكلفة الحرب السيبرانية هي التي حدت بالرئيس الأمريكي إلى تغيير وسائل الضربة الانتقامية ضد إيران ردًا على إسقاطها الطائرة المسيرة، من الأسلحة التقليدية إلى الوسائل الإلكترونية، حرصًا على تقليص التكاليف المالية للهجوم، وعدم رفع وتيرة التصعيد في الخليج إلى مستوى قد تنجم عنه حرب، ولتلافي قتل إيرانيين بحسب تبريره لتراجعه عن الهجوم، ذلك التراجع الذي كان في حقيقته غطاءً سياسيًا وإعلاميًا لتنفيذ الهجوم الإلكتروني على أنظمة تسليح الحرس الثوري الإيراني.