اذا لم تظهر معجزة.. هذا ما سيحدث في الحديدة بعد قليل
الثلاثاء 15 يناير 2019 الساعة 04:21

يعطي التصعيد العسكري الحوثي غير المسبوق في الحديدة إفادة واضحة؛ وهي أن المليشيات باتت الآن تستشعر نفسها أقوى موقفاً من الشرعية المنقسمة على نفسها والمدفوعة بقوة اللا موقف إلى الانحباس وإفراغ جبهتها وإهدار عوامل القوة أو إحراقها على أرض الحديدة وجبهات الساحل. 

ما بعد فشل مهمة لجنة باتريك والمهلة الأولى، وما بعد التمديد "الهادوي" ستة أشهر كاملة للحوثيين في الحديدة، وما بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة وإحاطة غريفيث وتقرير غوتيريس وإفادة لوكوك، ليس كما قبله. 

اقراء ايضاً :

ليس أن السلام فشل، كما يُقال. بل إن السلام لم يكن يوماً خياراً ممكناً للنجاح، طالما لم تأخذ المعركة مداها ومنعت من إرغام المليشيات وكسر شوكتها. 

والحوثيون، أيضاً، يستشعرون هذا بقوة، ويتصرفون على هذا الأساس. كما لو أُعطي لهم الضوء الأخضر للانتقال من الرفض والممانعة والتعنت إلى استعراض قوة مكنت لهم ومكنوا منها. في مقابل إمعان الشرعية في تقزيم معركة الساحل إلى معركة مع قوات التحرير والمقاتلين في إئتلاف المقاومة المشتركة. 

عقلية استجرار الصراع وتصفية الحسابات، هي من تهدر معركة وطنية كبيرة لحساب الشرعية ومعسكرها في الساحل الغربي، ومنحت الحوثيين طاقة ووقوداً لإعادة بناء وترتيب وتقوية وجودهم الذي كان على وشك الاجتثاث هنا. 

تواطأت عوامل عدة لإنتاج وإخراج هكذا مشهد فوضوي بالمرة، ومحبط كثيراً للناس وللجماهير ولحلفاء وأنصار ومؤيدي الشرعية والمناهضين لوكلاء إيران. 

ويصعب القول إن الشرعية لم تكن لديها القابلية لملاقاة واحتضان الضغوط البريطانية ومنحها مجالاً حيوياً للتحرك وإعادة هندسة المعادلات وإنقاذ المليشيات ولجم التحرير. 

بدأ 2019 أسوأ بداية ممكنة على الإطلاق، من فشل أو إفشال إجراءات بناء الثقة ومهمة لجنة تنسيق إعادة الانتشار، وإلى التمديد، وحتى جلسة مجلس الأمن بالمعطيات المحبطة والمستفزة التي قدمتها أو قدمت إليها. الشرعية كانت، وخلال هذه المحطات، فاعلاً سلبياً بالمرة، حتى لا نقول أكثر أو أسوأ من هذا. 

لم يكن الهجوم الحوثي، المهين والموجع في قلب ورأس معسكر الشرعية، إلا واحدة من أبرز تمظهرات وتداعيات البداية الأسوأ لعام جديد. كل شيء توافر على ذلك النحو لإجازة الحوثيين على تنفيذ هجوم العند. 

ورمزية الهجوم على العرض العسكري في أكبر قاعدة جوية في البلاد وبيد الشرعية، أكبر وأخطر من حجمه ونتائجه، وإن كانت النتائج مؤسفة ومريرة للغاية. لكن ردة فعل القيادة العليا والسلطات الشرعية، الغائبة والمخجلة، كانت أيضاً بمثابة هجوم آخر أثخن في الجبهة المصدومة والجمهور المستاء. 

تساوى وتشابه موقف وردّ غريفيث مع الشرعية. وكأن شيئاً لم يكن. بينما بيان قصير للخارجية الأمريكية كان مستعداً للقول إن الهجوم يتنافى مع اتفاق إطلاق النار في الحديدة. 

لكن حتى هذه، لم ترها أو لم تشأ أن تستثمرها وتتجاوب معها، الشرعية، المنصرفة كلية بالتبعية لمرضاة ومراضاة المبعوث البريطاني وبريطانيا من ورائه. 

وفي هذه الظروف واللحظات الدامية المشبعة بالفوضى والتوهان، تلتقط بريطانيا فرصة لتحركات جديدة وضاغطة في مجلس الأمن عبر طرح مشروع قرار جديد على مجلس الأمن؛ يكرس ويستثمر معطيات التمديد الرئاسي الممنوح للحوثيين في الحديدة، ويعمّق أزمة الثقة، بين الشرعية والشعب، وبين الشرعية والمقاتلين، وبين الشرعية والشرعية. 

يدفع الحوثيون بمزيد من القوة والعتاد والمجاميع إلى المديريات الساحلية جنوب الحديدة، بصدد هجوم كبير باتجاه خطط الإمداد الساحلي، ما يعني تطويق وحصر وعزل جهات وجبهات القوات المشتركة، وفرض واقع جديد مؤداه الكارثي يقلب معادلة القوة على الأرض. 

يحدث الكثير والمثير والمحبط بالفعل ويستمر؛ لتتحول المليشيات من جيوب محاصَرة ومخنوقة في الأحياء الداخلية لمدينة الحديدة وعلى بُعد 4 كم من تحرير الميناء الاستراتيجي، إلى إعادة تموضع وتوسُّع وانتشار وتمدُّد جنوباً حتى الدريهمي والتحيتا وحيس والفازة، فيما لو نجحت في تنفيذ مخططاتها التي نبهنا عليها مراراً وتكراراً -هنا في نيوزيمن- على مدى أكثر من شهرين. 

أخذت الشرعية قرارها، على ما يبدو، ولن تسمح أبداً بتحرير الحديدة، ما لم تحدث معجزة ويستعيد العقل الاستراتيجي منطقه وتتراجع عن محرقة استجرار الصراع وعن التعامل مع القوى الحليفة على الأرض كخصوم سابقين تفضّل أن تتخلص منهم بواسطة الحوثيين -كما حدث هذا غير مرة ومن أول ما بدأ كل هذا الجنون- على أن تتخلص بهم من وكلاء إيران في الحديدة وتهامة والساحل الغربي. 

وما لم يحدث هذا التراجع وتحدث مراجعة بحكم الضرورة وبصفة الاستعجال، فإن الضرر لن يقف عند حد أو يتوقف في الفازة من الحديدة والعند من لحج وصرواح من مأرب.