علماء يكتشفون ثاني أقرب كوكب خارجي إلى الأرض
السبت 24 نوفمبر 2018 الساعة 00:16
اقراء ايضاً :
قلّ أن تجد شيئًا يأسر لب الإنسان كاكتشاف كوكب جديد، فضلًا عن أن يكون الكوكب قريبًا منا، ولأن كلمة «قريبًا» قد تكون مطاطة في المجال الفلكي، فإليك ما جاء في مجلة نيتشر عن علماء المرصد الأوروبيّ الجنوبيّ: أشار دليل جديد إلى وجود كوكب خارجي يدور حول نجم السهم (نجم برنارد) على بعد ست سنوات ضوئية من الأرض.
 
قد تبدو المسافة بعيدة جدًّا، إذ تساوي 9.5 تريليون كم، لكنها بالنسبة إلى الكواكب الخارجية قصيرة جدًّا يندر مثيلها؛ فأقرب نظام نجمي إلى شمسنا على سبيل المقارنة هو رجل القنطور (ألفا سنتوري)، وهو نظام نجمي ثلاثي على بعد نحو أربع سنوات ضوئية من الأرض.
 
أما ثاني أقرب نجم فهو نجم السهم الذي يرجح أن سِنّه تبلغ ضعفَيْ سِنّ شمسنا، وهذا القزم الأحمر هو أقرب نجم فردي (أي إنه ليس جزءًا من نظام نجمي) إلى شمسنا، وهذا يرجِّح أن الكوكب المكتشف مؤخرًا -ويدعوه الباحثون «نجم برنارد بِي»- ثاني أقرب كوكب خارجي إلى الأرض.
 
وفوق ذلك يُدعى هذا النجم «أرضًا فائقة،» وهو اسم يُطلق على كل كوكب صخري كتلته أعلى من كتلة الأرض وأصغر من كتلة كوكب مثل نبتون الذي يبلغ حجمه 17 ضعف حجم الأرض. ويُحتمل أن حجم «نجم برنارد بِي» يبلغ نحو ثلاثة أضعاف حجم الأرض، ويدور حول نجمه كل 233 يومًا أرضيًّا.
 
عقود من التعارُض
 
إن ثقة العلماء بوجود «نجم برنارد بِي» عالية، إذ قال إجناسي ريباس، العالم بمعهد كتالونيا لدراسات الفضاء ومعهد دراسات الفضاء في إسبانيا «بعد تحليل دقيق جدًّا بلغت ثقتنا بوجود الكوكب 99%، لكننا سنواصل رصد ذلك النجم السريع الحركة لاستبعاد التغيرات الطبيعية المحتمَلة للسطوع النجمي التي يمكن أن تحاكي شكل كوكب.»
 
ما أعجب هذه الثقة، نظرًا إلى أن العلماء ظلوا عقودًا يبحثون عن كواكب تدور حول نجم السهم، وفي الستينيات ذهب عالم الفلك الهولندي بيتر فان دي كامب إلى أن النجم لا يدور حوله كوكب واحد، بل كوكبان غازيان ضخمان كالمشتري، وهذا بعد أن رصد بتلسكوبه «تمايلات،» إذ كان يراقب النجم من العام 1938؛ لكن مزاعمه دُحضت في السبعينيات، واحتُمِل أن تلك التمايلات ناتجة عن عدم تنظيف التلسكوب.
 
لكن فان دي كانب تمسك بمزاعمه حتى مماته في 1995، ولم يكن وحده الناظر في احتمالية وجود كواكب خارجية حول نجم السهم، ففي صيف 2012 زاد فريق بحثي تقوده عالمة جامعة كاليفورنيا في بركلي جيون تشوي الأدلة المضادة لمزاعم فان دي كامب: بعد 25 عامًا من القياسات خلصوا إلى أن «المنطقة الصالحة للحياة حول نجم السهم تبدو خالية من الكواكب القريبة كتلتها من كتلة الأرض أو أكبر.»
 
لكن ملاحظات المرصد الأوروبيّ الجنوبيّ الأخيرة تبين أن فان دي كامب ربما كان محقًّا، بل إن «نجم برنارد بِي» اكتُشف بطريقة «التمايل» ذاتها التي كانت تُدعى قبل «تأثير دوبلر»: فحين يدور كوكب حول نجمه، يتسبب سحبه الجَذْبيّ في تلك التمايلات التي يمكن ملاحظتها بتلسكوب قوي وقياسها.
 
الحياة التي نعرفها
 
فالسؤال إذن: أيمكن أن يكون على «نجم برنارد بِي» حياة؟ كل الأدلة الحالية تشير إلى النفي، وهذا ما تظل كفة دراسات جامعة كاليفورنيا راجحة فيها.
 
إن هذا الكوكب قريب من نجم السهم، فلا يفصل بينهما إلا خُمسَا المسافة الفاصلة بين الأرض وشمسها، عظيم! لا بد إذن من أنه في نطاق الحياة، صحيح؟ لا. فسطوع نجم السهم خافت على عكس سطوع شمسنا، ولا يمد كوكبه إلا بنحو 2% من الطاقة التي تمد بها شمسنا أرضنا؛ بل إن الكوكب الخارجي قريب من «خط الثلج،» وهي المنطقة التي يتحول فيها الماء إلى ثلج، أي إن درجة حرارة سطحه تبلغ نحو –170 مئوية، وهذا يجعله «غير صالح للحياة التي نعرفها» وفق قول المرصد الأوروبيّ الجنوبيّ.
 
لكن هذا لا يقلل ما بثه الاكتشاف في قلوبنا من حماسة. فقبل ست سنوات فقط فقدنا الأمل في العثور على كوكب يدور حول نجم السهم، والآن نعلم أننا كنا مخطئين، وجَيِّد أن بعض العلماء ظل مثابرًا وواصل المراقبة؛ فمن يعلم إذن ما يمكن أن نكون أخطأنا فيه غير ذلك!
 
اكتَشف مسبار كيبلر التابع لوكالة ناسا 3837 كوكبًا خارجيًّا حتى الآن، وهذا الرقم سيزداد طبعًا بتقدم تقنيات رصد الكواكب الخارجية، وبشيوع التعاون الدولي. وهذا الاكتشاف كان نتاج مشروع رِيد دوتس ومشروع كارمينيز، ومستندًا إلى مقياسَي الطيف الشهيرين التابعين للمرصد الأوروبيّ الجنوبيّ: هاربس ويو في إي إس.
 
قال جيلم أنجلادا إسكوديه، الباحث في جامعة الملكة ماري في لندن والقائد المشارك لهذا الفريق البحثي: «كان لمقياس هاربس دور مهم في هذا المشروع. جمعْنا بيانات أرشيفية توصلت إليها فِرَق أخرى مع قياسات جديدة لنجم السهم من منشآت مختلفة؛» وإجمالًا أدى جمع كل البيانات إلى 771 قياسًا، ويجري حاليًّا الرصد في عدة مراصد في مختلف أنحاء العالم.
 
كان هذا الجمع مفتاح ذلك الاكتشاف، ولم يكن هذا متاحًا طبعًا للعلماء السابقين، كفان دي كامب. وبالاعتماد على تقنيات أخرى، كتلسكوب جيمس ويب الفضائي، قد نكتشف قريبًا أن الكون ليس خاليًا كما يبدو لنا.