عبدالملك الصوفي
الخميس 20 يوليو 2017 الساعة 15:39
النخب السياسية وفلسفة الابتزاز .. اليمن نموذجاً!
عبدالملك الصوفي

الابتزاز والإنتهازية صفتان متلازمتان للأحزاب السياسية والسياسيين في اليمن وبينهما لا يوجد أحدٌ .. ولا يوجد شيء يسافرون من الكذبِ إلى الكذب ومن النفاق إلى النفاق ومن دمار الوطن إلى فنادق لندن .. ومن بقايا أمنيةْ إلى أشباح ذكرى يصيرون في عرض البحر كعادتهم يحاذون شواطىء قبرص يرمون أكياس المواعيد الكاذبة والعواطف المصطنعة كما يرمون لغةً عربيةً أضاعتْ أسماءها وأفعالها وضمائرها ولم تعد صالحة إلا لكتابة الطقاطيق وعزاء ماتبقى من الوطن.

 
 يذهبُ المدافعون والمقاتلون عن شرف الأرض ليبقى الهابرون عن الحقيقة يذهبُ التاريخيون ليبقى الذين لا يعنيهم من التاريخ سوى تاريخهم الشخصي يذهبُ الذين كانوا يوقُّعون على كتاب التاريخ ليبقى الذين يوقّعون على دفاتر شيكاتهم والذين يحسبون فوائد استثماراتهم وأرصدتهم يرحل الغاضبون والصامدون ليبقى الصرّافون والوسطاء والمقاولون السياسيون.
 
هكذا نستطيع القول أن ثُنائيَّة الابتزاز والمحسوبية لا تزال مفتوحة على رصيف الأمنيات المبعثرة للمواطن اليمني، حيث نجد أن معظم  السياسيين بألف وجه وألف لسان فهم اساتذة النفاق وفن الخطاب دون منازع .. لقد ورّطوا الشعب اليمني واستعملوه لغاياتهم الشخصية ومطامعهم السياسية ثم باعوه بخمسة قروش .. حمّسوه وحرّضوه وحين دقت ساعة الخطر دخل كل واحد منهم إلى جُحْرِه 
وقال لليمني : إذهبْ أنتَ وربك فقاتلا .. إنَّا ها هنا هاربون.
 
(ف .. منذ ثلاث سنوات وَنَحْنُ نبحث عن بقايا وطن نتمسّك به عن بقايا تاريخ نتدفأ على حطبه .. 
وعن أنشودة وطنية وحكاياتٍ قديمة .. ذابت مع الأيامِ ورحلت عنا بلا عنوان .. ليظل حال المواطن غائب الوعي وغير مدرك أو مغّيب عنه ويحاول الإدراك يصغي فقط إلى عربدة الشاربين وقعقعة سلاح المتقاتلين دون أن يكون له حق الاعتراض أوحق السؤال أو حتى حق الغيرة والدفاع عن حقوقه المنهوبة .. فلم يعرف التاريخ حالة أغرب من حالة الإنسان اليمني .. فهو حرّ ولا يتمتع بحريته وموحّد ومقسّم وموجود ومفقود وحيّ وميت في الوقت ذاته !! .
                           
فكلُّ الذين حاولوا اللعب بالمعادلات الاساسية للتاريخ والجغرافيا والوطن اكتشفوا بعد فوات الأوان أن التاريخ أقوى منهم وأن الأرض أكثر ثباتاً منهم، 
وان الشعب اليمني بتكوينه الطبيعي وميراثه الوطني لايزال يتسم بالقناعة والتدّين والإرتباط بالجذور التاريخية الضاربة، فهو لايزال مثل الفرح الغريب على مشارف الأرض .. يحلمُ رغم طولِ اليأس  ويحمل في الأعماقِ قلباً علَّه مازال يسبح في دماه ْ ويطوي في الأعماقِ قلباً علَّه ينبض بالحنين فكلّ الذين حاولوا القفز فوق الخطوط الحمراء التي رسمها التاريخ  للأرض وللوطن سقطوا وكُسِرت أعناقهم.
 
حينذاك أدركت قلوبنا المضطربة أن المنهجية التي يعمل بموجبها فكر وعقل السياسيين في اليمن عامة وفِي تعز خاصة تعاني خللاً أساسياً وروحاً متعبة .. وجسداً مرقعاً بأحلام الفقراء لاسيما أنهم يرفضُون فتح نوافذ أبصارهم على العالم  أو قرأة الصحف والمجلات الأجنبية  .. حتى لا تنتقل إليهم جرثومة الفكر الحر وقاموس حقوق المواطنين في وطناً حزيناً  ضائعاً كرُفاتِ قلبٍ ضاقَ بالأكفانِ .
 
وإن من حقنا أن نطالب أصحاب الكاباريهات السياسية وقاعات الابتزاز والانتهازية بتعويضنا عن كل الإصابات الفكرية والنفسية التي أصابتنا بسبب رداءة كلماتهم الكاذبة وألحانهم المزعجة ورداءة تمثيلهم السياسي والمسؤولية الغائبة إننا نطالبهم بإعادة ثمن أعمارنا .. وإعادة طفولتنا المسروقة وأيامنا الضائعة، فقد أخذوا جائزتهم من المناصب وذهبوا وهم يُغّنون .. حملوا ثروات الوطن على أكتافهم ليزرعوها في منافيهم ونحن حملنا جنازتنا على أكتافنا ورَسَمنا عليها جراحاً وحلماً لأننا نعلم يقيناً أن أرواحنا لم تجد على المساحة الممتدة بين الخليج والمحيط، قارئاً يقرأ على روحنا القرآن أو قبراً يرضي أن يضمَّ عظامنا وأيامنا الباقية
 
خصوصاً أن أرواحنا المنهكة باتت مليئة بالهجاء لسادة النفاق والابتزاز في هذا الزمن الذي لا يُسْأَل فيه عن اسم القاتل بل يُسأل عن اسم القتيل التالي وكأن القاتل هو الغامضُ الثابت والقتيلَ هو الواضحُ المتغيّر، أرواحنا المليئة بالرثاء والمدح لمن كتبوا بالجمر أحلامهم دون وَجَل من ضُبَّاط الليل أو خجلٍ من عورة الحقيقة أرواحنا المليئة بالبكاء المالح على اليمن الذي لا يستطيع أي حزب من الأحزاب السياسية للمقاولات أو أي جمعية للمنتفعين أو أي تجمع للوصوليين والمرتزقة أن يتحدثوا بلسان اليمن.
 
ومهما كانت الحيرة أمام هذا الواقع متأرجحة 
بين النصف الفارغ من الأخلاق والنصف الملآن بالإنسانية فإننا نطلب من مطربي هذا الوطن السياسيين والأحزاب أن يخرجونا من بطن آله التسجيل ..ليفكوا أسرنا فك الله أسرهم ..أن ينقذونا ولو على سبيل الخطأ من حفلات التمثيل خاصة أنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة دون أن يصدروا صوتاً رخيصاً ..فهم يخطبون في الميادين العامة وفِي غرف منازلهم ..يخطبون في صحوهم وفِي نومهم .
 
فمن المفارقات العجيبة لحياتنا الانتقالية أنَّهُ كلَّما تطوَّرَ الكلام الإجرائيُّ في تفاصيل "عملية المحاسبة" تدهور مستوى الأسئلةِ الكُبرى والأسئلةِ الصُغرى وتعمق الإحساس بالإنتقام وضاقت بِنَا أرضنا المحرَّرة الموضوعة في أقفاص"الاحزاب السياسية "
ولا دليلاً على جراح الفقراء كما قد يظنُّ البعض
بل دليلاً على مدى تخدير معاناة الفقراء كما يصوغُها الجانب السياسي حتى الآن ..فلا شيء يبدو طبيعياً في هذا المخاض الذي تتبادل فيه البدايات والنهايات سوى لعبة الكراسي، فقد حاولنا عبثاً أن نغير طبائعهم الوراثية وممارساتهم اليومية في إطار مشروع التصحيح والمحاسبة الرقابية دون جدوى لمعرفة  هذه العلاقة الغرامية القاتلة بين اصحاب الكروش المتخمة وأجسادنا المتعبة !! 
 
هذه هي اليمن أخيراً عصفورةُ الحلُمُ والحرية 
والحوار الحضاري .. لؤلؤةُ الأساطير ..صاحبة الحضور الأكبر في الوجدان هكذا أشعلت لنا قناديل الأمل وحبنا الضائع فلا يمكن أن نتصوَّرها على شكل رجل إنتهازي فوق حبل المشنقة، كما لا يمكن أن نتصور حديثاً عن مستقبل الشباب لا يكون الوطن جزءاً منه ولا يمكن أيضاً أن نتصور شكلاً لتضاريس اليمن دون أن يمر أريج البن من منتصفها فالحديث عن اليمن واليمنيين حديث في العمق وحديث في أصل الأشياء.