عبدالملك الصوفي
الأحد 9 يوليو 2017 الساعة 23:45
"مهيب القدسي" شهيد الحقيقة !
عبدالملك الصوفي

 

لماذا قتل الشاب مهيب القدسي ؟ ولماذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية في صنعاء ؟ وهل صار صمت الجهات المسؤولة .. مطلباً استراتيجياً ام حالة من حالات التلذذ بالجريمة؟

قُتِل الصوت  الذي انطلَق حاملاً كل حنان الوطن والحق والعدالة في آن واحد .. قُتِل صوت الشّهيد " مهيب نعمان القدسي" الذي تجسد في دمهِ أجمل الكلمات وأصدق النوايا .. قُتِل وهو يدافعُ  عن قيمهِ ومبادئهِ  وشهادتهِ في وطنهِ اليمن .. قُتِل وفِي القلب أحزانٌ .. وشكوى تختنق .. وربيعُ أيامٍ يموتُ ويحترق.

فبعد مقتل وأستهداف الحق في روح  الشهيد القدسي صار غداً والبارحة يتشابهان وصار الذي أتى مثل الذي سوف يأتي وصار حزنُ صنعاء مثل حزنُ دمشق .. وصار موتُ الإنسان أشبه بارتعاش الراعي .. وصار الصبحَ  في مآقينا ظلام والعامُ يمضي .. بعد العامِ .. بعد العامْ .. فلم تعد مشكلة الإنسان اليمني أن يجد لنفسه بيتاً يسكن فيها . . أو ينهي بقية أيامه الباقيات .. على قدر ما أصبحت المشكلة الأساسية قائمة في البحث عن مِتْران من أرض الوطن ليدفنَ روحه المنهكة فيه.

وربما كان لمقتل الشهيد "مهيب القدسي " في هذه الفترة من الحرب والدمار التي يعاني منها الوطن للأسف .. فرصة لفرز الأوراق والأخلاق بين مشائخ ووجهاء اليمن عامة و تعز خاصة، ولمعرفة الكلمة الطاهرة من الكلمة العاهرة .. والسياسي الكبير من المرتزق الصغير.. فليس هناك ضرورة لمعرفة التفاصيل .. فالتفاصيل دمُ الشهيد ولاضرورة للإضاءة .. فالإضاءة  روحُ مهيب نعمان القدسي

ولقد كنا نظن أن شخصية الشريف التي كنا نراها في مواسم الحفلات التنكرية .. والتمثيل الدبلوماسي  في  محافظة تعز ..  شخصية شريفة حقاً حتى تعرفنا على ضمائرهم المحترقة وقلوبهم المذبوحة وشرايينهم المسدودة .. كطرق العبور بين صنعاء وعدن ... عاصرناهم ورأينا كيف يتصرف مستشارو المصالح والأمن  مع أرواح البسطاء و الأبرياء فأدركنا حينذاك أن الشريف الذي كان يحمل مسدسين في حزامه من نوع المكروف .. وحبلاً طويلاً يشنق به الأشقياء والمطلوبين للعدالة .. لم يكن أشرف من الأشقياء الذين كان يطاردهم في ذلك الوقت.

أما أنتم يا أبناء السياسة يا أبناء الفضاء العائشين في الراحة والنعيم، لن تطووا أجنحتكم لكي تستطيعوا إدخال حق الشهيد مهيب من مختلف الأبواب ولن تحنوا رؤوسكم، كلا ولن تخشوا أن تتنفسوا خوفاً من أن تقوّض أساسات الجدران وتسقط على رؤوسكم الأرض، ولن تقطُنُوا في القبور التي بناها أبناء الموت لأبناء الحياة، ومع كل ما يزين منازلكم الفاخرة من الجلال والجمال والإبداع فإنها أيضاً  لن تستطيع أن تحتفظ بأسراركم وخيانتكم للقضية لأن غير المحدود فيكم " حق الشهيد" يَقْطُن في منزل السماء الذي بوابته سحابة الصباح ونوافذه سكون الليل وأناشيده.

أليس من المفجع أن نتوسَّط لدى من يهمُّهم الأمر من قبائل ومشائخ وسياسيين محافظة تعز .. للحصول على ضريح نجمع فيه عظامنا .. ونرسم فوقه الحق وشهادة الشهيد مهيب  القدسي . . أليس من مبكيات الزمان أن نصل إلى عصر يضطر فيه الإنسان اليمني إلى أن يقف في الطابور ليحصل على قبرٍ متواضع يتمدَّد فيه ...

ولماذا لا نقف جميعاً بعد كل هذا الثراء المحزن إلى جانب الإنسان بصرف النظر عن اسمه ولونه وعقيدته وجنسيته ووطنه ؟ ربما لأن كل الأحزاب السياسية تذوب في كؤوس المصالح .. لتتحول بعد ذلك إلى سائل واحد لا لون ولا رائحة ولا طعم له !!!

وبعد هذه العلاقة المصيرية بين الموت والأبرياء وبعد خمسة عشر يوماً كان والد الشهيد يمدّ جناحيه تحت أمطار الحزن ليصرخ بصوت متهدّج : أين أنتَ يا مهيب؟ . . أين أنت يا ولدي ؟

أتُرى ستجمعنا الليالي .. كي نعودَ .. ونفترق؟ أتُرى تضىءُ لنا الشموع .. ومن ضياها نحترق؟ 

تركتَ أيام الخلودٌ .. والتمنِّى .. وأخذتَ تحلم كُلَّ يومٍ .. بالصباح فتركتَ أيامى تضيع مع الرياح 

يوماً إلى الأحزان تأخذنا .. وآخرى للجراح

أما بالنسبة لجنازة الشهيد القدسي، فقد حوّلها الشعب اليمني إلى مهرجان عِزَّة وكرامة وعنفوان، فمشى خلف نعشه كل رموز الثورة المسلحة من دروع ومصفحات وصواريخ ومضادَّات، كأنما قرأ والد الشهيد أفكار " مهيب"  قبل أن يودع الحياة فأراد أن يطمئنه قبل أن يرقد في أحضان السماء،أن الشعب للشعب لا يزال قوي وأن الحق لايزال بينهم

وعلى امتداد الطريق من جامع الصلاة إلى مقبرة الشهيد كان أبو مهيب يشدّ على أقلامنا  وعلى حشود الجنازة بقوة .. وكان الشهيد حينذاك  يختال بثوب كفنه الأبيض فقد كان من أحلامه الكبرى أن يتزوج على هذه الطريقة.