عبدالملك الصوفي
الثلاثاء 27 يونيو 2017 الساعة 19:46
بين صنعاء وعدن، مات الموظف جوعا !
عبدالملك الصوفي

تأخير صرف الرواتب في اليمن حدث غير مفاجئ .. لكن هناك ثمة تسآؤلات تضع نفسها في اول الحديث .. لماذا اختارت الحكومة هذا التوقيت للصرف ؟ وهل سيعود اسْتِمرار اسْتِحْقاق الصرف ومتى؟ 

إن الحديث والصمت  جَاء هذه المره ، من بين شظايا صنعاء إلى دمار مدينة "تعز" إلى اغتيال الحلم في عدن، جاء على صهوة جرح ليعقد حلف مع أوجاع الوطن، حيثُ أختلطت حدود الكتابة والبكاء، وأختلط الحبر والدمع معاً، إلى الحد الذي صرنا فيه لا نفرق بين استدارة حرف (النون) واستدارة الدمعة، وبين أمتداد الفقر وانعدام الحياة

وليس ثمة ماهو أكثر ايذاء للنفس من أن تٌصبح المستحقات المالية للموظّفين، بمثابة محضر إستجواب سياسي، يتجسّسُ على صمتنا بين الجُمل، وعلى أحلامنا، بين الواقع والخيال ..

أحلامنا المسافرة إلى ضوء القمر، كي تنسى سمفونية الدم والرصاص التي مازالت تعزفٌ  بدون توقف في شوارع اليمن منذ أكثر من عامين ونصف

وإنه لمن المبكي  حقاً أن يصل الحال، بالقائمين على الأمرالتجرد من المسؤولية في صرف رواتب الموظّفين

لأكثر من عام إلى درجة من الرداءة، يصبح فيها الاستنجاد بالشيطان أمراً ممكنا، في لحظة من أكثر لحظات تاريخنا السياسي عبثاً وسخرية. . وإذا كُنا جميعاً قد أصبحنا جزءً من الوجع العام، فإن مما لا شك فيه أن اليمن من أقصى الشمال إلى حدود البَحْر بات مضرَّجٌ بالخيانة والخذلان، بل ويمرّ بأخطر مرحلة من مراحل موت الرجولة، والإرتهان.

                                  ***

وها  هوذا المُواطن، لا يزال على ضفة الجرح كلما طال به الزمن اتسعت مساحته وكلما صافح ثراء حزنه، أزدادَّ أحتياجه .. لوجبة الحب الباردة . . المالحة كمذاق دموعنا..الغائبةُ عن خاتمة النشيد

هكذا أصبح حال كل مواطن عاش فوق تلك الأرض

ضحية بين أهوال الحرب، وأصوات المدافع يحمل خيمته على ظهره ويربط ناقته على مساحة الحلم ليصبحَ بعد ذلك ذكرى مُحرّمة .. نرتشفُها بين الحينِ والآخر سهواً.

في الوقت الذي كان لزاماً على  "هادي وحكومته" والحوثي وصالح أن ينسجموا مع مطالب الشعب أو يستقيلوا .. أن يتقدَّموا نحو المستقبل  أو يدفنوا أنفسهم في ضريح التاريخ ليتحولوا إلى  ذكرى ضد الوطن، لاسيما ان المواطن لم يعد  قادراً علَى، أن يعبر عن حقوقه ويطالب في صرف مرتباته، وكل حرف من حروف الأبجدية بمثابة لغم موقوت سينفجر بين لحظة وأخرى .. ومن أي باب  يبدأ المواطن  في الكتابة . . وماذا يكتب؟ لمن يكتب؟ كيف يكتب؟ والحقيقة مقفلةً ومختومة ً بالشمع الأحمر

خاصة أن جماعة "الحوثيين" لا تزال  منشغلة في إتمام ملصقات "سيدهم المزعوم" على جدران المؤسسات الحكوميةفي شوارع العاصمة صنعاء.

وبالتالي فان ساعة المطالب لم تكن واقفة قبلنا والوقت لم يبتديء بِنَا نَحْنُ فقط والأصوات الجائعة لا تولد كالطحالب من العدم وكذلك إشعال الحرائق في وجدان الناس وفِي أرزاقهم المتناثرة علَى أزمنة هذه الحرب لم تكن كمؤشر للعمل الجاد، والمغامرة

بقدر ماكانت بمثابة موعدٌ مع المجيء الذي لا يجيء والآتي الذي لا يأتي .. والموت الذي لا مفر منه.

وبكلّ بساطة، وتجربة  نرى أن جميع الأطراف المتنازعة في اليمن تعاني انفصاماً حادّاً في الشخصية، حيثُ ومن الملاحظ أن عصر الخيال الذي جاء به الحوثي وصالح وهادي ودول التحالف

بمثابة حفلة تنكريّة .. وان كل طرف يستعير القناع الذي يناسبه هذا يستعير سيف أبو الحسن وذاك يستعير حصان عنترة وعفاش . . وثالث يستعير عَباءة ابن باز .

وفِي وسط هذا وذاكَ نجد أن الحفلة التنكرية مازالت تمارس حوار الممنوعات وانقطاع صرف المرتبات لمختلف المحافظات اليمنية مما أَدَّى إلى طرح الأسئلة المتدوالة  بين الناس .. لماذا لا يكشف هؤلاء عن وجوههم الحقيقية ؟ ولماذا يستعيرون لغة الآخَرين وعصر الآخرين ؟  ولماذا يظل المواطن في نظرهم

كلصّ ٍ مُسْرعِ الخطَواتِ . . كَحُوتٍ أسودِ الشفتيِن . . كثُعبانٍ على الحائط . . كمقصلةٍ . كمشنقةٍ . . كإنسانٍ بلا إنسان ؟

                                ***

هذه هي مأساة الانسان اليمني الذي لا يستطيع حتى  أن يتصرَّف في تفاصيل حياته اليومية ولا يستطيع أن يقيم جداراً بين سلوكه واحتياجاته، أو أن يعيش ظروف حياته الخاصة ليختلي بحبيبته على ضفة النهر.. إنه قَسْراً (ضحيّة) حرب مُلزم أن ينقل أسراره إلى الشارع كالتماثيل، والأرصفة، والحدائق العامة  فِي وطن لا تزال دائرة السباق على المصالح الشخصية عنوانه الاول وتاريخه المتوارث .

(ف بعد مرور مايقارب العام من اخْتِفاء حلم  استلام  "الراتب" وبعدما حدث لليمن من اغتيال للأرض والبحر والتاريخ واللغة والثقافة والفكر والحياة من قبل  "الأطراف المتنازعة" في الداخل والخارج، كان ولازال على هؤلاء ترك أسماءهم الكاذبة التي توحي بصفات الشجاعة والفروسية، ليبحثوا عن أسماء أخرى تطابق تحولاتهم الهرمونية الأقرب إلى قائمة الأنوثة والالتباس.

                                     ***

أَلَمْ  يعلم اليمنيون حتى اللحظة انهم يعيشون " زمن الحصار" الذي لا يمكن استنباط أي وسيلة لقياسه أو مقارنته .. فلا يشبهه إلا الصفر ولا يقاس إلا بالعدم ولا يمكن الدلالة عليه بأي رمز أو إشارة أو تشبيه .. زمن لا يرمز إلى أي معنى ولا يدل على أي شيء .. سوى أن رئيسهم المزعوم ينام في كل قمة عربية.

وهل من المعقول أن (المملكة العربية السعودية - وعنتريات الحوثي - والتحالفات والأجندة  الداخلية والخارجية) تعجز عن صرف ابسط حقوق المواطنين، حتى يكون العيد عنوان للصرف على سبيل اكرام هذا الشعب  في حق من حقوقه المستحقة .. 

أليس من المخجل أن تسقط جميع مقررات القمم العربية ومحاضر إجتماعات وزراء الخارجية، ولجان المتابعة، وجميع المبادرات والوساطات والمساعي الحميدة .. تحت تصفية الحسابات  بين "السعودية - وعلي عبدالله صالح" .

أيّ هَوَان ستشعر به الأجيال القادمة حين ستقرأ في كتاب التاريخ أن الحوثيين زحفوا إلى السعيدة، ووصلوا إلى مشارف صنعاء، بقوة السلاح .. 

اللهَّم اشهد أن اليمن كان شقيقنا الجميل والصغير الذي رميناه في البئر دون أي ذنب .. ورميناه في الحرب دون أي ذنب .. ورميناه تحت أقدام الارتهان الخارجي دون أي ذنب؟ ..