د. دلال عريقات
الأحد 22 يناير 2017 الساعة 18:05
ترامب والليبرالية الجديدة
د. دلال عريقات
تابعنا جميعاً تنصيب دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الجديد الذي تحدث خلال كلمة تنصيبه عن سياسات داخلية تُعنى بالتغيير على المستوى المحلي الأمريكي وركز على فكرة نقل الثقل من واشنطن العاصمة إلى ولايات أخرى، كما أنه تحدث وبطريقة غير مألوفة رافعاً شعار 'أمريكا أولاً' في رسالة منه إلى أن الشعب الأمريكي سوف يتعامل فقط مع البضائع الأمريكية أي سيخفض الواردات كما أن السوق سيوظف العامل الأمريكي دون غيره في إشارة غير مباشرة منه إلى تفضيله المواطن الأمريكي الأصل عن غيره من المواطنين المُقيمين من المهاجرين في أمريكا. تطرق ترامب وبوضوح إلى موضوع المال الأمريكي وكيف أنه ينوي تغيير سياسة بلاده التي تصب الملايين كمساعدات إنسانية وعسكرية في العالم الخارجي إلا أنني هنا لا أتوقع تراجعاً تجاه إسرائيل بل العكس.
 
على الصعيد الفلسطيني، كان قد ذكر ترامب خلال الفترة الماضية قبل تنصيبه الرسمي أنه سينقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس ولذلك تابعه الكلّ الفلسطيني مترقباً للحديث عن موضع السفارة، إلا أن ترامب اختار أن يؤكد الخبر بطريقة غير مباشرة باعتقادي من خلال الكاهن اليهودي الذي ذكر القدس والصهيونية ضمن مشاركته الدينية في مراسم التنصيب.
 
يرى الغالبية في هذا الرّجل، إنساناً غريب الأطوار، صعب الفهم ويزعم الغالبية استحالة التنبؤ بما ينوي له. هنا أعتقد جازمة أن ترامب هو شخصية ناتجة تدريجياً وبطريقة طبيعية عن ثقافة السوق الحر والليبرالية الجديدة Neo Liberalism.
 
سأقوم بمحاولة فهم هذه الشخصية من خلال الحديث عن الليبرالية الجديدة التي تُعرِّف العلاقات الإنسانية بناءً على عنصر المنافسة، أي من منطلق الربح والخسارة كأساس العلاقات البشرية، وتنظر الليبرالية الجديدة للمواطن كمستهلك. حيث تتجلى أبهى أشكال الديمقراطية من خلال البيع والشراء فهي إذاً عملية تُكافئ المواطن بناءً على مقياس الجدارة.
 
حسب هذه الأيديولوجية، يتم تحقيق المكاسب فقط من خلال السوق وليس من خلال التخطيط. ويعتبر أنصار هذه المدرسة أن محاولات الحد من المنافسة تعني الحد من الحريات ويؤمن مؤيدو الليبرالية الجديدة بما يلي:
 
- لا بد من تقليص الضرائب عن الأغنياء
 
- لا بد من خصخصة الخدمات العامة
 
-لا بد من القضاء على الإتحادات التجارية والنقابات العمالية التي تشتت السوق وتقضي على الهرمية الطبيعية التي يجب أن تنتج من خلال منظومة الخاسر والرابح. فالربح هو مقياس بقاء الفرد في أعلى الهرم! هنا عدم المساواة تعتبر فضيلة فالمكافأة يجب أن تذهب لصانعي الثروة فقط.
 
وترى الليبرالية الجديدة أن جهود إنتاج مجتمع متساوٍ هي جهود غير سديدة وأخلاقياً غير صحيحة لأن كل فرد يجب أن يحصل على ما يستحق بجدارته حسب أسس السوق.
 
هكذا يُقنع أصحاب هذه الطبقة أنفسهم ليعتقدوا أنهم حصلوا على الثروة من خلال جدارتهم متناسين كل الظروف المريحة والإمتيازات التي حصلوا عليها في حياتهم مثل التعليم والميراث والطبقة الإجتماعية التي ينتمون إليها (كل العوامل التي تدعم وتساعد وتحمي بقاء الثروة).
 
تُغذي هذه الأيديولوجية الأثرياء لذلك نظن أن على الحكومات التدخل وأن تلعب دوراً حتى تمنع الإحتكار، إلا أن مؤيدي الليبرالية الجديدة يَرَوْن أن الإحتكار وقوة السيطرة هي من حقهم كمكافأة على جدارتهم! الأثر الأخطر الناتج عن النظام الليبرالي الجديد لا يتمثل بالأزمة الإقتصادية فقط بل بالأزمة السياسية التي تتولد منه عندما يتحكم السوق ومفهوم الربح والخسارة بقرارات الفرد حتى عند الإدلاء بأصواتهم.
الأكثر زيارة