سمية الفقيه
الاثنين 19 ديسمبر 2016 الساعة 16:12
عظيمة أيتها المرأة التعزية..
سمية الفقيه
 
سمية الفقيه
 
دربها ليس مفروشا برحيق الندى وظلال الياسمين..طريقها ليس مزخرفا بعقود النرجس واكاليل الجوري..نهارها لا يفوح منه طيب الحياة وبهرجها، وليلها لا تكلله الاهازيج ولا تؤنسه اضواء الطمأنينة وزخرف العيش الرغيد..عمرها ليس قصة سندريلا التي وفي منتصف الليل وجدت حلمها الكستنائي فرائحي النكهة والبريق..
 
المرأة التعزية ،وعلى مدى عامين من البلاء العظيم جعلتها من اعظم نساء الأرض تحملا وكدا وضنى لأعباء الحرب وتبعاتها بصلابة وقوة وجلد ،فقدت كل صلتها بالفرح    وراحة البال وامتزج بملامحها حزن شفيف يطفي عليها جمالا جليلا جسد معاني العظمة والإباء والكبرياء الذي لا يقهره قبح مهما تكاثرت مخالبه وأنيابه.
كم انتِ عظيمة يا تعزية،طفلة كنت او شاية او أُم او اخت او زوجة او حتى جدّة.فالعظمة فيك ليست صفة جزافية او نفاقية او كلمة عابرة بل هي حقيقة وتستحقينها بجدارة وانصاف.                                            
عظمة المرأة التعزية عرفها العالم اجمع وهم يشاهدون مأسي تعز لعامين من الحرب حتى اللحظة..عامان على الأسى المُر مرا ،والكد والتعب والضنى واحتساء المر حنظلا و مُرا هو  نصيب التعزيين والتعزيات اللواتي ضربن اعظم الأمثلة على الصبر والشقاء والتشريد والتجويع والحصار والقتل.
 
لم تحلم التعزية بقصور الموضة واغلى ماركات العطور والاناقة، كما تفعل نساء الدنيا..انما في ليال القصف والخوف والرعب حلمت بسقف آمن يؤمن روع اطفال يتامى يصرخون خوفا والبيوت تدك على رؤوس ساكنيها ،لم تعرف النوم والطمأنينة برهة والليل كابوس يجثم برصاصاته ولؤمه على مفاصل الحياة ..
 
 وفي نهارات الجوع والحصار تحملت جوعها وربطت بطنها وحملت اواني الماء فوق راسها بحثا عن شربة ماء هنا او هناك عن كسرة خبز وعن جرعة دواء ،ليس ليوم واحد انما لعامين ومازال البحث جار والعطش والموت جارٍ ولم تكل او تيأس لأنها لبست القوة رداء والثبات كساء والصبر زادا يقيها الموت يأسا..
 
صبرت على الفقد بكافة اشكاله المروعة،فقد للعيش،فقد للسكن ،فقد للزوج والاخ والولد والعم والخال والاب والام والبنت، وشلال مأقيها لم يجف وحرقة كبدها وحريق الحزن يؤتي اكله كل نبضة، لكنها بعظمتها ظلت تواجه بارود القبح والقتل وادخنة الاحقاد بروح صابرة متدثرة بالايمان العميق بالله وبالوطن القادم لا محالة مهما طالت حلكة الاحزان والكبت والقهر والفقد العظيم والقتل الرجيم.
 
ألم اقل لكم أنها عظيمة، وجليلة هذه المرأة التعزية؟ وما هذا إلا نقطة من فيض المآسي والبؤس الذي تواجهه كل لحظة من لحظات الحرب اللعينة على تعز.
 
كم انت عظيمة، وعظيمة ياتعزية ،وان كانت هناك صفة اعظم فبلا شك تستحقينها، ومازلت تقفين شامخة رغم كل   الانكسارات والانهيارات والخرائب والقبور والنعوش وتأبى روحك الجبارة ان تكون لقمة سائغة لأرتال الحزن و اليأس والانهيار.
 
إن كان لابد من موت ،فستموتين واقفة وشامخة وعظيمة كما انت.. عظيمة انت ايتها المرأة التعزية. انحني لك اجلالا واكبارا وأُقبل الثرى الذي تمشي عليه خطواتك المباركة. عظيمة وستظلين أيتها المرأة التعزية.