ما السبيل إلى دين دون رجال دين وإسلام دون إسلاميين
الاربعاء 20 سبتمبر 2017 الساعة 01:20
اقراء ايضاً :
id="cke_pastebin"> الإسلام في عمقه الروحي وبعده الوجودي لا يحتاج إلى كهنة. هو رسالة في كتاب عربي واضح ووصايا أخلاقية. فخر للإنسان أن يحمل اسمه وعزيمة أسلافه وطعم أرضه. فخر لنا أن نكون محاربين في هذه الحياة، والحياة صعبة بطبيعتها.
 
الإسلام هو نحن المسلمون لنعيش ونتعارف ونحب ونطمح، لنكون أفضل ونحتمل العبء البشري في السراء والضراء، وليس لنفجر أنفسنا ولا لنكفر الناس، ولا لنتجادل هل الله موجود أم لا، أو ننزلق إلى ما يسميه الدواعش “الاستبدال” أي كيف يستبدل الله البشر بغيرهم من المؤمنين إذا رفضوا تطبيق الشريعة؟ وكأن الإسلام منفصل عن المسلمين وليس هويتهم ولغتهم وأعيادهم.
 
الإسلام ليس أحزابا سياسية، ولا مؤسسة كهنوت ترهب عقولنا. إننا لا نحتاج لكل ذلك، ويحق لكل إنسان أن يعيش، ويحق له أن يضل ثم يحق له بعد ذلك أن يتوب وأن يزكي روحه بالإسلام دون تعقيد وضغوط وإرهاب.
 
النص القرآني الوجداني الجميل يسري منذ 1500 سنة في جسد آبائك وأجدادك. إنه حكاية طويلة ذات معنى، غير أن هذا المعنى بطبيعته “شخصي” أي أنه تجربة روحية متروكة لكل إنسان. كل شيء تاريخي في النهاية حتى الإيمان، ويتغير مع كل زمن بما يناسبه.
 
إن تأديب الكهنة والمرتزقة الذين جعلوا من الدين مهنة هو عملية موفقة حقا، وتحرير للمسلم وللإسلام وهدم للأصنام. فلنتحرر من فكرة تأكيد الإسلام لأن “النبأ العظيم” لا يحتاج إلى تأكيد، ولندخل العالم بسلام فالحياة جميلة حقا بلا رجال دين.
 
نحن لا نحتاج إلى رجل دين بعمامته ولحيته ليُبشرنا بالإلحاد. فهذا أيضا خطأ ويلوث الإيمان والإلحاد معا. نحن نحتاج الإسلام دون عمامة. أما الإلحاد فنجده متدفقا عند ألبير كامو ونيتشه وماركس، نجده حيويا على شكل قلق لدى المتنبي، وعلى شكل شكوك لدى المعري ولكننا أيضا في ساعة الفقدان وفي لحظة غامضة نريد أن نسمع القرآن الكريم فقط وأن نقف ونصلي. هذا هو وجودنا الحر كبشر دون عمامة ولا وصاية ولا رجال دين.
 
المملكة تريد ألا يحصروها في كونها "دولة إسلامية"، تريد أن يفهم الجميع بأن قبلة المسلمين هي الكعبة وليست السعودية
إن رجل الدين هو الإرهاب وتشويه الإسلام، أما الإسلام فهو أنت وأنا، هو تاريخنا ولغتنا وثقافتنا، هو التفاعل الحي بين الثقافة والإنسان في التاريخ والجغرافيا.
 
البعض يظن بأنني أدافع عن الدين بينما الحقيقة هي أنني أدافع عن الثقافة، فإذا كان الدين سيختفي يوما من الأيام فإن ذلك سيكون بشكل طبيعي دون ممارسة العنف والقمع. ونحن هنا في زماننا هذا لا نريد القضاء على الدين، ولا نريد للدين أن يقضي علينا أيضا. إن إعلان الحرب على الدين سيكون بمثابة إعلان حرب على الناس، بينما إعلان الحرب على رجال الدين هو بمثابة مكافحة للإرهاب والتطرف ولطبقة طفيلية مضادة للثقافة.
 
سعود القحطاني المستشار برتبة وزير في الديوان الملكي كتب مقالا مهما بعنوان “الدولة الوطنية والشرعية الأيديولوجية” نشرته صحيفة الرياض السعودية. ودون لف ودوران هو يقول إن السعودية تعاني من الحُبّ القاتل. المسلمون يريدون الانتماء إليها ويخلطون بينها وبين الكعبة والنبي والصحابة.
 
السعودية دولة وكل من فيها من شيعة وسنة وإسماعيليين هم مواطنون سعوديون مصلحتهم وقيمتهم بنظر المملكة أولا وقبل كل شخص غريب مهما كان دينه ومذهبه. يعني “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” عند الله وليس عند السعودية. التقوى ليست في حسبان الدولة، المهم الجنسية والانتماء الوطني.
 
يقول القحطاني إن السعودية تعاني من ضعف الثقافة الوطنية بسبب “إن هذه أمتكم أمة واحدة” يعني السعودي يخلط بين الأمة الدينية التي هي روحانية خيالية وبين الأمة الحقيقية التي هي الشعب السعودي والمواطنة. الرجل يقول نصا في مقاله “الحل بتقديري يكمن في الاعتراف بأن مفهوم الأمة، أيا كانت هذه الأمة، لم يعد صالحا في وقتنا الحالي”.
 
ويضيف أن السعودية استفادت من الأيديولوجيا الوهابية في مرحلة التأسيس لكن اليوم هذه الأيديولوجيا غير مفيدة وعبء على البلاد “الأيديولوجيا وإن كانت عاملا مهما في التأسيس، غير أنها كانت في أحوال أخرى سببا للضعف وتكالب الأعداء والتفتت والتفكك في نهاية المطاف، كما كان الوضع في الدولة السعودية الأولى مثلا”.
 
إعلان الحرب على الدين سيكون بمثابة إعلان حرب على الناس، بينما إعلان الحرب على بعض رجال الدين هو بمثابة مكافحة للإرهاب
الولايات المتحدة نفسها تقول إن رجل الدين السعودي يتمتع بنفوذ غير طبيعي فالناس تنظر إليه كمواطن في دولة النبي محمد، ويحدثنا من مهبط الوحي والأرض المقدسة. هذا الوزن الزائد لرجل الدين السعودي “حصرا” يشكل خطرا على النظام العالمي، وعلى السعودية كدولة مواطنة أيضا. لهذا تقوم السعودية اليوم بإعادة رجل الدين إلى حجمه.
 
الارتباط الوجداني المبالغ فيه لدى الكثير من المسلمين بالسعودية، يربك المملكة أكثر من أن يسرها ويبهجها، مثل حالة سيدة عجوز من الفلوجة كتبت على ورقة حين كانت عائلتها محاصرة وتضربها الطائرات الأميركية “يا خادم الحرمين الشريفين، يا مشايخ المملكة، نحن جائعون ولم نأكل شيئا منذ أسابيع”.
 
هذا النوع من الارتباط الوجداني بالسعودية مرفوض. أنت عراقية ارتبطي بالعراق واستصرخي شعبك وقيادتك ودولتك العراقية. لا تحمّلي السعودية عبئا وتعرضيها للمشاكل الدولية.
 
المملكة تقول للمسلمين لا تمجدونا بل مجدوا دولكم، لا تتبعوا مشايخنا بل اتبعوا مشايخكم، لا تطلبوا من قادتنا بل اطلبوا من قادتكم. المملكة تهتم بالسعوديين والسعودية أولا كما يهتم دونالد ترامب بالأميركيين فقط “أميركا أولا”.
 
وتريد المملكة ألا يحصروها في كونها “دولة إسلامية” وأن تكون دولة حديثة، تريد أن يفهم الجميع بأن قبلة المسلمين هي الكعبة وليست السعودية. السعودية دولة مثلها مثل كل الدول تطمح إلى الموازنة في المعاني المقدسة التي تثقلها وتحملها فوق طاقتها.
 
ويقول الفيلسوف نيتشه إذا كان هناك تنافر بين البنية والقاعدة من جهة وبين النموذج السياسي من جهة أخرى فعلى الدولة التخلي عن النموذج ولن تحدث أي مشكلة على الإطلاق. هناك تجارب مشابهة بالتاريخ.
 
الصين مثلا تحولت إلى دولة رأسمالية بقيادة الحزب الشيوعي نفسه. لم يسقط الحزب الشيوعي؟ الحزب نفسه خاض إصلاحات وإنجازات وتحول إلى رأسمالي دون مشاكل وثورات. وهذا ما فعلته الولايات المتحدة مؤخرا؛ فإذا السوق الحرة والعولمة والقيم الليبرالية والانفتاح وتمثال الحرية والمهاجرون وحقوق الإنسان أشياء تضر بمصالح أميركا، فلا ضرر من إلغاء النموذج ورفع شعار “أميركا أولا” وبناء جدران حول الولايات المتحدة.
 
المهم في هذه الورقة هو هل الإسلام يحتاج إلى رجال دين؟ ما فائدة هذه الطبقة؟ رجال دين يجتمعون بحجة التقريب بين المذاهب، ورجال دين يجتمعون بحجة القضاء على التطرف. الحكومات العربية رأت في النهاية أنه لا توجد مشكلة لا في الناس ولا في الإسلام، بل المشكلة -كل المشكلة- بوجود رجال دين يتمتعون بشهرة وسلطات وثروات.
الأكثر زيارة