ما أشبه الليلة بالبارحة...القبيلة التي سحلت بطل السبعين عبد الرقيب عبد الوهاب في شوارع صنعاء هي من نهبت ثورة الشباب (القصة الكاملة لأحداث اغسطس 1968 )
الثلاثاء 21 أغسطس 2012 الساعة 09:57

 

اليمن السعيد - صنعاء

اقراء ايضاً :

 

 

 

 

تكون في قيادة الجمهورية العربية اليمنية – قبل حصار السبعين يوماً على صنعاء – جناحان.. الأول يميني يمثل كبار مشائخ القبائل وإقطاعي وبرجوازي (كبار التجار) والثاني يساري تشكل من طبقة العمال والفلاحين والطلاب والجماهير  وصغار الضباط (المقاومة الشعبية والجبهة الوطنية)..

 وكان هذا الجناح أكثر جماهيرية وأقل نفوذاً كما هو حاصل اليوم فشباب الثورة يملؤون الساحات في حين القرار يتحكم به قيادات عسكرية ومشيخية لكنه بعد فك الحصار عن صنعاء  في فبراير 1968م زاد حضور المقاومة الشعبية نفوذاً بفضل أدوار أنصاره الوطنية ومواقفهم البطولية أثناء الحصار، وكان رمز هذا التيار النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب رئيس هيئة الأركان، فهم لم يؤيدوا أساليب الصراع الراديكالي مع الملكيين فحسب بل وقفوا مع تطوير التوجه الديمقراطي وتعزيز الانتماء الوطني للجيش وطالبوا بحل وقد أطلق على هذا التيار صفة (منقذي الجمهورية) كونهم لم يلهثوا وراء دعم القوى الخارجية كما فعل غيرهم، ولذلك كان صعباً على المتربصين بهم أن يتهموهم بخيانة المصالح الوطنية.. وهو نفس الحال الذي ينطبق اليوم على من يطالبون بإنقاذ الثورة.. لأنهم هم من اشعلوا الثورة ولم يرتهنوا لقوى خارجية أو حتى محلية سوى مصلحة الشعب وتحقيق أهداف ثورته.

المبادرة الخليجية والمصالحة الجمهوملكية

في عام 1968م تخوفت القوى التقليدية من القوى الشبابية الصاعدة وتداعوا إلى حماية مصالحهم وأبرموا اتفاقية (حل وسط) مع الملكيين، وذلك للزج بكل القوى لمحاربة المشاركين الجدد في الحكم.. وأرسلوا لمشائخ القبائل الموالية للملكيين وكبار وصغار المشائخ الجمهوريين لضم قبائلهم إلى المواجهة.. وفي مطلع مارس 68 أقنع الشيخ الأحمر مشائخ بني الحارث وأرحب وهمدان على التوجه إلى صنعاء لإعلان ولائهم للجمهورية، وذلك لتشكيل قوى ضغط داخل السلطة الجديدة تعمل على توجيه القرار لصالح المشائخ وقواهم القبلية وتم عقد اتفاق حتى مع أنصار السلالة المخلوعة.. وكان البرنامج السياسي لرئيس الوزراء العيني تحقيق (مصالحة وطنية) بغرض إقامة علاقة مع السعودية تحت غطاء (الأخوة الإسلامية).. ثم حاولت العلية القبلية والإقطاعية أن تنسب لنفسها زوراً كل المآثر البطولية في ملحمة السبعين، متجاهلة الاستبسال منقطع النظير لفصائل المقاومة الشعبية.. ونفس الشيء تكرر في الثورة الشبابية ضد صالح فقد تلاعبت القوى القبلية والعسكرية ونصبت نفسها حامية للثورة ووقعت على المبادرة الخليجية مع النظام السابق وتكللت بما يعرف (بحكومة الوفاق الوطني)..

عبدالرقيب يرفض دور  الأمعة

كانت القوى التقليدية في السلطة تريد من عبدالرقيب عبدالوهاب أن يكون رئيس أركان ديكورياً ينفذ ما يطلب منه وأن يبقى مجرد مقاتل شرس عند الحاجة إليه وهو الدور الذي رفضه عبدالرقيب وسعى إلى بناء جيش حديث وقوي قادر على مواجهة الاعداء وليس مجرد مليشات تذوب قبل بدء المعركة كما حدث عن بدء حصار صنعاء..

وفي 8 مارس 1968م وصلت باخرة محملة بالسلاح من روسيا للجيش اليمني وكان النقيب عبد الرقيب عبد الوهاب نعمان من تاريخ 6 مارس في انتظار الباخرة في الحديدة وكان يرى توزيعها لصالح قوات المدفعية.

بحكم أن فيها مدافع وللمشاة وقوات المظلات ولكنة فوجئ برئيس الوزراء ومعه علي سيف الخولاني قد وصلا إلى مدينة الحديدة لغرض إيقاف توزيع السلاح كان عبد الرقيب عبد الوهاب نعمان يشرف على توزيع الأسلحة في رصيف الميناء وبجانبه مثنى جبران قائد المدفعية وحين وصل الفريق (حسن العمري) يتبعه (علي سيف الخولاني) حصلت بينهم مهاترات كلامية فجرها (علي سيف الخولاني) حين قال (لمثنى جبران) قائد المدفعية ((يا حبشي)) بحكم أنه من مواليد الحبشة.

عنصرية (علي سيف الخولاني) أيضاً فتحت شهية (حسن العمري) لينعت النقيب (عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان) “ بالببغة والبرغلة “ ثم يغادر الميناء آمراً بعض القوات العسكرية بضرب مقر المقاومة الشعبية ونقابة العمال التي قاتلت ورسخت دعائم الجمهورية وخرجت مظاهرة غاضبة تستنكر فيها ما يقوم به مسئولو “ مطلع".

70 ساعةً حرب

صنعاء التي لم تكد تفيق من غيبوبة حرب السبعين يوماً أستيقظت على دوي انفجارات تهز كل أرجائها وكرب عظيم وخطب جلل فالرصاص تشق عنان السماء والمدافع تلعلع وتهد الثكنات والمعسكرات، فرق الموت نزلت إلى الشوارع والاعتقال والقتل بهوية (القا والجا) أو (بقرة وبجرة) ولا فرق بين مدني أو عسكري.

البداية كانت يوم 18 أغسطس عندما أعلن الفريق العمري القائد العام للقوات المسلحة قراراً بتنحية قائد المدفعية مثنى جبران من منصبه دون التشاور مع رئيس هيئة الأركان وهو ما رفضه عبد الرقيب لأن علي مثنى جبران من الموالين له وفي ذلك المساء غطت سماء صنعاء نيران المدفعية التي انطلقت من المطار الجنوبي، موقع معسكر المدفعية تعبيراً عن رفض القرار وتسارعت بعدها الأحداث حتى انفجرت في يوم 22 أغسطس وغادرت القيادة السياسية كعادتها صنعاء إلى تعز وتركت العاصمة تحترق بنيران أبنائها.

امتلأت الشوارع بالجثث ووصل القتل إلى المنازل وحدثت مجازر يشيب منها الولدان ونفثت الطائفية خبثها وشمعت المنازل على أساسها واشتبكت قوات الأمن المركزي وقوات المدرعات بقيادة محمد عبد الخالق من جهة مع قوات الصاعقة والمظلات، ومع ارتفاع حمى المعركة في يومي 23، 24 من أغسطس.. واصلت قوات الصاعقة الضرب بقوة وكادت أن تسيطر على الموقف رافضة أي حلول حتى يتراجع العمري عن قراره.

 بينما نشطت الأجهزة الأمنية في اعتقال أبناء تعز في صنعاء واشتد القتال في يوم 24 أغسطس وتم اعتقال علي مثنى جبران قائد المدفعية من قبل رجال العمري وتدخل العقلاء في درء المشكلة بعد أن وجدوا قوات الصاعقة والمظلات قد سيطرت على الموقف وكان من ضمن الوسطاء لدى عبدا لرقيب الدكتور حسن مكي والذي كان يعلم أن مواصلة هجوم قوات الصاعقة والمظلات سببه اعتقال مثنى جبران والنية في تصفيته ومجموعة من القيادات الشابة الشجاعة التي فكت الحصار عن صنعاء.

شروط وقف  الاقتتال

أثناء احتدام وطيس المعركة صدر بيان باسم ضباط وصف وجنود القوات المسلحة، من أهم ما طالبوا به فيه:

إقصاء القيادات الجديدة التي صدر القرار الجمهوري بتشكيلها، والتي أصلاً هربت من معارك السبعين يوماً وإعادة عبد الرقيب عبد الوهاب إلى رئاسة الأركان وإعطاءه كامل الصلاحيات ومحاكمة كل من هرب من معركة الحصار.

بطل حرب السبعين منفياً

كانت هناك رغبة سياسية أكيدة لفتح أفاق جديدة من التصالح مع الجانب الملكي ولهذا صدر قرار جمهوري بنفي 22 ضابطاً إلى الجزائرشمل الرتب الكبيرة التي هربت من مواجهه حصار السبعين منهم 1-العقيد علي سيف الخولاني 2- العقيد حمود بيدر 3- المقدم محمد الخاوي 4-المقدم محمد عبدا لخالق 5- المسوري 6- المقدم طاهر الشهاري 7-المقدم عزا لدين المؤذن 8- المقدم علي الضبعي 9-المقدم عبدا لله الراعي 10- المقدم الأنسي

ومن الرتب الصغيرة التي صمدت 1-عبدالرقيب عبدا لوهاب 2- الرائد سلطان القرشي 3- الرائد حميد العذري4- النقيب محمد محرم 5- النقيب حمود ناجي 6- النقيب يحي الكحلاني 7- النقيب أحمد الجبري 8- الرائد عبدا لرقيب الحربي 9- الرائد على محمد هاشم 10-الرائد عبدالسلام قاسم الدميني 11- الملازم عبد الواسع قاسم 12 – الملازم محمد أحمد سعيد.

عبد الرقيب عبد الوهاب هو " الأب الروحي للقوات المسلحة في حرب السبعين يوماً الذي وصف بأنه ( كاسترو اليمن ) وبطل السبعين ولد عام 1943م في قرية ذبحان في منطقة الحجرية محافظة تعز .. كان أبوه عبد الوهاب أحمد نعمان فلاحا في ذبحان، تلقى عبد الرقيب تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدرسة تابعة (للأحرار اليمنيين) بعدن حتى أنهى دراسته فيها .. ثم التحق للعمل في إحدى المطابع بعدن ومع بداية اندلاع ثورة سبتمبر توجه مع مجموعة من أصدقائه إلى صنعاء للانضمام إلى صفوف المدافعين عن الجمهورية.

في سبتمبر 1963م أنهى دراسته في الكلية العسكرية في صنعاء وتخرج برتبة ملازم / ثانٍ .

في نوفمبر من نفس العام أوفد للدراسة في معهد عسكري في مصر، وأنهى دراسته في المعهد عام 1964م وتخرج برتبة ملازم في الصاعقة.

عقب عودته إلى صنعاء عين قائداً لسرية الصاعقة في منطقة (خدر الشيخ)، ثم قائداً لقوات الصاعقة في فترة حصار السبعين يوماً.. إلى جانب المهام التي كان يقوم بها وإضافة إلى كونه قائد القوات الجمهورية في المحور الجنوبي برتبة نقيب (رقي فيما بعد إلى رتبة رائد) عين رئيساً لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.

استشهد بعملية غادرة في يناير عام 1969م منح في عام 1985م وبقرار من رئيس الجمهورية وسام " السبعين يوماً" من الدرجة الأولى ورقي إلى رتبة عقيد.. جاء ذلك كرد اعتبار له..

الردفاني أول نصر للجمهورية من صناعة عبدالرقيب

يشهد صالح الردفاني، أحد المشاركين في فك الحصار بقوله: أول نصر للجمهوريين كان من صناعة عبد الرقيب، واستشهد على ذلك بقوله أن عبد الرقيب حين تجمع الجنود من كل مكان لاستلام رواتبهم؛ أمر عبدالرقيب باحتجازهم في مقر القيادة، وفي الصباح أرسلهم إلى عصر مع مئات من القوات الشعبية التي وصلت ليلاً، وهزموا قوات الملكيين وصعدت تلك القوة إلى جبل عيبان وكان أول نصر للجمهوريين.. كما شهد لعبدالرقيب ألد أعدائه قاسم منصر عندما وجدهم يسحبون جثة عبد الرقيب في التحرير فقال قتلتم قائد معركة شعوب وفي هذه المعركة طبعاً دحر عبد الرقيب الهجوم الأكبر لقوات قاسم منصر التابع للملكية.. وكسر شوكتهم وكان قاسم قد بعث بحقيبة ذهب لعبد الرقيب فردها له وبداخلها (رصاصة) ومعروف أن جبهة قاسم منصر كانت من أقوى الجبهات ولم يفك الحصار كاملا إلا بعد جمهرة قاسم في 5فبراير ودخوله صنعاء بسلاح وأموال كبيرة لكنه لقي بعد ذلك مصرعه على يد أتباعه الذين حملوا جثته وأتوا بها الى القصر الجمهوري ومعهم 25 ثورا وقالوا هذا ابننا وهذه الاثوار هجر للدولة .

عمر الجاوي شاهداً

 عمر الجاوي ـ أحد قادة المقاومة الشعبية رحمه الله ـ سجل شهادته عن عبدالرقيب عبدالوهاب في معركة (عيبان) يومي الثامن والتاسع من فبراير فقال (بنفسه، وبصورة مباشرة، هذا الهجوم. وقد رأى الناس عبدالرقيب عبدالوهاب يحمل جهاز اللاسلكي على ظهره، للاتصال بكل كوكبة كانت تقاتل، لإصدار الأوامر، في الوقت الذي فيه يتحزم قنابله وذخيرته، وعلى كتفه رشاشه).

الفضول ساخراً

 وحين سئل المناضل الشاعر الثائر عبدالله عبدالوهاب نعمان ـ من أحد أصدقائه القدامى ـ يوم وجده بعد طول غياب وخراب.. قال الصديق لصديقه: “يا فضول .. كيف تشوف الجمهورية؟ “. أجاب الفضول ساخرا: “ريال بقش صرفنو!”. مئة إمام.. عوضا عن إمام واحد ! هل كان الفضول يرى أشياء خلف الجدار، لا نراها ـ نحن ـ إلا بعد أن يدركنا الوقت.

لماذا نحن هكذا ننسى الجميل؟ الذين دافعوا عن الجمهورية من الموت يقتلون؟ أو يموتون غرباء؟ ويبقى السفلة، والأوغاد، والمتشبهون .. على الأرائك يحكمون؟ وأين هي تلك الروح التي رسمت الملاحم الساخرة بالموت حين أخذت زمام الشهادات كي تفك الحصار الأول عن صنعاء؟ ونفس المشهد يكرر نفسه على ثورة الشباب؟

الخونة يرقصون على جثته

  بعد أن تم قتل البطل عبدالرقيب سحبوا جثته إلى ميدان التحرير والرقص والتنصير والعبث بها حتى أنه حين رآهم قاسم منصر أحد قادة الملكية قال لهم حمي عليكم تعبثون بجثة بطل حرب شعوب.

بينما عبدا لرقيب هو من تمكن في دحر قوه منصر من منطقة شعوب وبعدها جاء الشيخ أحمد علي المطري وقام بكسر جهازه (غمد الجنبيه) يدعوهم باسم القبيلة في إكرام جثة البطل عبدالرقيب بالدفن وتم دفنه في مقبرة خزيمة.

وتقول بعض الروايات الغير مؤكدة أن أبناء ذبحان تسللوا ليلاً إلى المقبرة ونقلوا جثته إلى قبر غير معروف. وسيبقى عبدالرقيب عبدا لوهاب بطل نصر السبعين الذي لا يقل عن ثورة سبتمبر وسيبقى خالداً في التاريخ مهما حاول الحاقدون طمس مآثره البطولية التي ما زالت شمساً ساطعةً تستعصي على الأفول.

 

 

المصدر : يمنات 

الأكثر زيارة